الوسط السياسي و أنماط الرأي العام.
تعريف الرأي العام:
يتطلب الرأي العام توفر ثلاث عناصر:
- وجود قضية واحدة ومحددة المعالم تتطلب اتخاذ موقف معين أو تستدعي تكوين وجهة نظر محددة حول طبيعتها.
- توافر حد أدنى من المعلومات نسمح للأفراد بتكوين وجهات نظر مختلفة حولها كل حسب اجتهاده و تقديره.
- أن يتم التعبير عن وجهة النظر هذه والإفصاح عنها علانية.
ولكي تنتقل من الرأي الفردي الى الرأي العام يتطلب وجود ثلاثة عناصر أيضا:
- أن يتعلق الراي بقضية تقتصر على مصلحة خاصة لفرد أو حتى مجموعة من الأفراد.
- أن تكون القضية موضوع الرأي المعبر عنه محل اهتمام مشترك من جانب الجماعة ككل أو أغلبية الأفراد فيها.
- أن تكون هذه القضية موضوعا لنقاش وجدل علني يمكن رصده وتبيين معالمه و تحديد اتجاهاته.
إن قضايا الرأي العام قضايا لا تحتمل الاختلاف وتتطلب بالضرورة الإجماع حولها.
وسائل قياس الرأي العام:
إن هذه الوسائل تتمثل في مراكز ومعاهد استطلاع الراي، و ازدهرت عندما ظهرت الحاجة الى استخدام أدوات التعرف على مواقف الرأي العام في القضايا العامة.
وتختص هذه المراكز والمعاهد خاصة في الدول الديمقراطية المتقدمة في قياس ورصد الرأي العام وذلك عن طريق استطلاع رأي الجمهور المعني بالقضية لمعرفة الموقف العام منها.
أنماط الرأي العام:
يختلف الرأي العام لمجتمع ما من القضايا المحلية والاقليمية او العالمية المطروحة عليه حسب العوامل المجتمعية التي تؤثر في تشكيل الرأي العام. عند استطلاع موقف الرأي العام بشأن نفس القضية و في نفس المجتمع وفي وقت مختلف لكانت النتائج مختلفة عن النتائج الاستطلاع في المرة الأولى, يمكن القول بصفة عامة أن توزيع مواقف الرأي العام في مجتمع معين ومن قضية معينة لابد أن يأخذ أحد الأشكال الثلاثة التالية: منحنى التوزيع الطبيعي، التوزيع الغير طبيعي والمنحنى المستقر.
منحنى التوزيع الطبيعي:
منحنى التوزيع الطبيعي يأخذ شكل جرس منتظم تتوزع عليه مواقف الشرائح المختلفة بين التأييد و المعارضة بحيث تكون هناك أقلية متطرفة في تأييدها أو في معارضتها.
منحنى التوزيع غير الطبيعي:
منحنى التوزيع الغير الطبيعي يأخذ شكل حرف "U " و تعكسه القضايا التي تثير استقطابا حادا في المجتمع مثل قضايا حمل السالح او الاجهاض في المجتمع الأمريكي أو غيرها من القضايا و التي تصبح فيها الغالبية إما مؤيدة بشدة او معارضة بشدة، بينما ينحصر الرأي المعتدل حولها انحسارا كبيرا.
المنحنى المستقر:
و هو الشكل الذي يعكسه موقف الرأي العام من القضايا الغير أخلاقية أو المثيرة للجدل الحاد و التي يتبلور حولها موقف يقترب من موقف الاتفاق أو الرضاء العام حيث تكون هناك مجموعة ضئيلة تمثل أقلية واضحة تخرج عن الخط العام للجماعة في هذا الاتجاه أو ذاك.
صناعة وتشكيل الرأي العام.
مقدمة:
تتدخل عوامل كثيرة في تشكيل آراء الأفراد ووجهات نظرهم حول قضية معينة وبعض هذه العوامل تتمثل بالصفات العضوية أو الشخصية للفرد كاللغة والجنس والأصل العرقي والديني والنشأة الاجتماعية، وهناك عوامل أخرى تتمثل بالصفات المجتمعية التي تتكون من الاحتكاك والاتصال والحوار مع الجماعات والتنظيمات المختلفة، إن التفاعل بين هذه الصفات يخلق الرأي العام لمجتمع له خصائص ديمقراطية وثقافية واجتماعية وقومية معينة. تمر عملية تشكيل الرأي العام من خمس مراحل التي تتمثل فيما يلي: مرحلة الإدراك، الصراع، التركيز، القبول العام ثم مرحلة الشمول و الاستقرار في الوعي الجماعي للأمة.
مراحل تشكيل الرأي العام:
مرحلة الإدراك:
هي مرحلة نشأة صورة أولية بوجود مشكلة أو قضية في وعي الفرد، كما أن هناك عوامل كثيرة تؤثر في إدراك الفرد ويرجع بعضها الى شخصيته وثقافته والبعض الآخر يعود إلى الثقافة السائدة في مجتمعه وعوامل وطنية وتاريخية وقومية.
على سبيل المثال نجد أن استطلاعات الرأي حول التطبيع مع إسرائيل تتأثر بشكل كبير بعوامل ثقافية ومجتمعية وحضارية أكثر مما تتأثر بعوامل فردية أو شخصية.
مراحل الصراع:
وهي المرحلة التي ينتقل فيها الوعي الفردي بالمشكلة من مرحلة الإدراك الذاتي إلى مرحلة التعبير الخارجي على شكل موقف، وقد تمر مرحلة الصراع بمراحل فردية كان يأخذ الصراع شكل اندلاع تناقضات وظهور مصالح متعارضة والتي تتطلب حسم الأمر في الوعي الانسان أولا قبل أخذ موقف بشأنها، ثم ينتقل الصراع من مرحلته الذاتية ليتفاعل و ليحتك بالجماعة لتظهر مصالح وارتباطات أخرى ياخذها الفرد بعين الاعتبار ليحاول تكييف موقفه مع موقف الجماعات التي تحيط به وفي هذه المرحلة يكون الفرد مضطرا عن إعلان موقفه ويعبر عنه ليجد نفسه مع مجموعة مؤيدة وموافقة لرأيه.
مرحلة البلورة أو التركيز:
تتميز هذه المرحلة بوضوح ابعاد القضية المطروحة بمختلف جوانبها و نتائجها المترتبة على المواقف المحتملة للفرد ومدى تأثيرها على مصالحه المادية أو المعنوية، ليصبح الرأي العام مكتملا بظهور شرائح مؤيدة ومعارضة أو محايدة للقضية المطروحة.
مرحلة القبول العام:
وهي مرحلة الاتفاق والقبول العام قضية معينة من طرف أغلبية المجتمع، فعلى سبيل المثال اتخذ غالبية الشعب المصري رأيا عاما يتمثل في عدم التطبيع العلاقات مع إسرائيل طالما ظل الموقف الاسرائيلي متعنتا من عملية السلام ورفض الانسحاب من جميع الأراضي العربية عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.في هذه المرحلة يفرض الرأي العام سطوته ويجعل أمر تغيير رأيه صعبا وغير ميسور.
مرحلة الشمول و الاستقرار في الوعي الجمعي للأمة:
يعتبر الرأي العام تعبيرا عن رغبة الجماعة حول قضية معينة كما يمكن أن يحدث تغيير موقف الجماعة من القضية المطروحة بعد فترة قد تكون طويلة او قصيرة حسب نوع العوامل التي تدخلت في هذا التغيير.